لغة القرآن الكريم
بين المنطق الوجداني والمنطق العقلي
Abstract
كان القرآن صلة الله بالناس، في أول الأمر كان الله منفردا وأراد أن يُعرف، فخلق الخلق ومن بينه الناس. ولذلك قال : (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ))[1] لِيَعْبُدُونِ معناه ليعرفونِ ، فرع من المجاز المرسل إطلاق ما يكون ويراد ما كان.
كان كلام الله ( القرآن ) لا يفهمه أحد من الناس لأنه لا يتكوّن من الصوت ولا الحرف في جانب، ومن جانب آخر القرآن يتحدث ممّا في حضرات الله من عالم الملكوت والجنة والنار وما إلى ذلك من الغيب. والله يريد أن يعلّم ويهدي الناس، فينزل الله برحمته ورأفته كلامه بعلوه وتقديسه وتنزيهه إلى درجة، يقترب من درجة لغة الناس وعاداتهم[2]، فيكون بصوت وحرف ويؤخذ من عاداتهم ودنياهم فيفهمونه.
وذلك جرى في دنيا الناس. الصبي لا يفهم لغة أبيه مثلا ولكنه يريد أن يعلّمه فينزل درجة لغة الأب إلى درجة لغة ولده فيصبح كالحصان مثلا ويتكلم مقتربا من لغته. لغة الإنسان لا يفهمها الحيوان كالبقر مثلا ولكن مع ذلك يريد الإنسان أن يعلمه بأن يجري يمينا وشمالا ويقف، فيقرّب لغته بلغة يفهمها البقر.